المرأة التي باعت أبنائها ولم تندم

 

شهدت فترة الأربعينيات من القرن العشرين حالة اقتصادية مأساوية، نجمت عن الحرب العالمية الثانية، وكانت إحدى القصص المأساوية في تلك الحقبة تتعلق بـ “راي شاليفو”. كان راي يعمل كسائق شاحنة حين تم فصله عن عمله، مما جعل أسرته تتجاوز أزمة مالية حادة. كانت العائلة تواجه التهديد بالطرد، حيث لم يكن لدى راي القدرة على توفير الطعام لأطفاله الأربعة وزوجته، وكانت الحياة تشكل تحديًا يوميًا بسبب نقص الموارد.

لحل هذه المشكلة، قرر راي وزوجته لوسيل بيع أبنائهم، في مشهد محزن يذكر بطرق قطط تنقل أفرادها عبر البحر. في صيف عام 1948، نُشرت صورة للسيدة لوسيل شاليفو تعرض أطفالها للبيع أمام منزلها في شيكاغو، وكانت اللافتة تحمل عبارة “4 أطفال للبيع، الاستفسار داخل المنزل”.

للأسف، تم بيع الأطفال، بما في ذلك ديفيد الذي كانت والدته حامل به. لكن المفاجأة كانت في المبلغ الذي تم بيعهم به، حيث تم بيع رايان وميلتون إلى مزارع بمبلغ دولارين فقط. وكانوا يتعاملون مع مشتريهم كعبيد، ربما لتنفيذ أعمال زراعية، وكانوا مقيدين في حظيرة مع الحيوانات لمنع هروبهم.

قصة ميلتون تشير إلى المعاملة القاسية التي تعرض لها من قبل والده الجديد، حيث وصفه بـ “العبد”. أما رايان، فتعرضت للاختطاف والاعتداء الجنسي، مما أدى إلى حملها وفقدان طفلها الذي تم وضعه للتبني.

على الرغم من هذه المأساة، وجد ديفيد، الطفل الأصغر، فرصة لحياة أفضل عندما تبنته عائلة مكدانيال. تم تربيته على القيم والأخلاق الحميدة، وعاش حياة أكثر رغدًا بالقرب من أشقائه الذين تعرضوا للمعاناة. عاش ديفيد حياة ناجحة، حيث خدم في الجيش وعمل كسائق شاحنة.

وفي لقاء مفاجئ بين ديفيد ووالدته لوسيل بعد سنوات عديدة، لم تعتذر لوسيل عن فعلتها، بل احتفظت بأطفالها الأربعة الجدد وتجاهلت أولادها السابقين. تحاول الآن ديفيد فهم أسباب تصرف والدته، ورغم ألم الماضي، يبحث عن تفسير لفعلتها.

وإن كنت تعتقد أن هذه الظاهرة قد أصبحت من الماضي، فلنلقِ نظرة على حوادث حديثة:

في عام 2014، نشرت وسائل الإعلام خبرًا مروعًا عن امرأة هندية فقيرة تُدعى “غاوري شاه”، قامت ببيع طفلها الرضيع مقابل 220 دولارًا لزوجين لا يملكان أطفالًا. كانت هذه الخطوة محاولة منها للحصول على بعض الأموال لرعاية بناتها الثلاث، حيث صرحت بأنها غير قادرة على تحمل تكاليف تربيته، لذلك اضطرت للتخلي عنه بعد أسبوع من ولادته.

وفي عام 2012، تخلت إمرأة في ولاية غرب البنغال بالهند عن بناتها الثلاث بسبب عدم قدرتها على توفير الطعام لهن. تم إنقاذ الفتيات من قبل السلطات المحلية وإعادتهن إلى أمهن، وقد قالت الأم للتبرير إنها تزوجت من رجل كبير في السن واكتشفت لاحقًا أنه مدمن خمر، وكان يسيء معاملتها وتعنف بناتها باستمرار.

يشير راخيبور ريهمان، المسؤول المحلي في تلك المدينة، إلى أنه خلال رحلاته في الأماكن الفقيرة في الهند، قابل العديد من الحالات حيث تم بيع فتيات في سن ال١٢ عامًا من قبل آبائهن، وكانت معظم هذه الحالات تتعلق بتجارة الجنس.

وما زالت الكثير من القرى حتى اليوم تلجأ إلى زواج بناتها الصغيرات بشكل متحايل على القانون، حيث يطلق عليه “العقادة”، ويكون الزواج لمدة محددة مقابل مبلغ مالي يدفعه الوالد. هناك قصص تحكي عن نساء تزوجن أكثر من مرة دون معرفة أسماء أزواجهن، حيث كان يُطلق عليهم “أبو عبد الله” فقط.

بيـ@ـع الأطفال تحت أي مسمى هو جر@يمة قذ@رة، وتُسببها الجهل والفقر والتهميش. إن غياب دور الدولة ودور الأسرة يسهم في هذه الظاهرة المستمرة، حيث يُعامل الأهل أطفالهم كأصناف يمكن الحصول عليها بمقابل مالي، وهو أمر لن ينتهي قريبًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى